عمر طاهر يكتب: صنايعية مصر .. فتحي قورة

عمر طاهر يكتب: صنايعية مصر .. فتحي قورة

(1) هناك ثلاث درجات لنجاح الشاعر الغنائى، الدرجة الثالثة أن يقدم أغانى جيدة تنجح و تنتشر و تنال رضا الناس، الدرجة الثانية أن تتحول كلمات أغنياته إلى أمثال شعبية، أن تخرج من أغنية كتبها الشاعر جملة تسكن فى الوجدان العام ويلجأ إليها أى شخص للتعبير عما يجول بخاطره، و يرى أنه لا يمتلك إضافة يقدمها بعد أن أنهى الشاعر المسألة ( مثال : عايزنا نرجع زى زمان؟ قول للزمان إرجع يا زمان .. الشاعر مرسى جميل عزيز)، الدرجة الأولى أن تتحول أغنية الشاعر إلى نشيد وطنى ، بحيث لا يمكن للأجيال المتتالية أن تفصل بين الأغنية و بين منطقة فى وجدان الوطن (مثال: أغنية ست الحبايب النشيد الوطنى لعيد الأم فى مصر .. الشاعر حسين السيد).عمر طاهر يكتب: صنايعية مصر .. فتحي قورة

فتحى قورة حالة خاصة، فقد سجل أهدافا رائعة فى درجات النجاح الثلاث، لكن فى لقاء إذاعى طُلب منه أن يلخص إنجازه، فقال بفخر شديد و هو يضحك: أنا اللى خليت عبد الحليم حافظ يقول ( كان فى حاله و جات له بلوه من السما).

(2)

هبط قورة من الشرقية إلى القاهرة لا يمتلك سوى الفن و الحس الساخر، كان طريق الفن صعبا، لكن المجلات الساخرة كانت كثيرة وقتها، من ( البعكوكة) إلى (الصاروخ)، وبالوقت أصبح أحد أسباب نجاحها، كان يقدم لها إنتاجه بالقطعة، يدخل مقر المجلة حاملا إنتاجه و إذا لم تكن الأموال متاحة ساعتها كان لا يمانع فى أن يكون أجره هو وجبة الإفطار، كانت المجلات المختلفة تجرى عليه إذا ما شعرت بثمة نقص فى التوزيع والإنتشار، يقف قورة فى ظهر المجلة يسندها بإنتاجه حتى تسترد عافيتها، ثم ينقذ واحدة أخرى.

كان نجم هذة الساحة لكن قلبه معلق بالفن، وكانت المجلات تفتح له أبوابها، فى المقابل كان يجلس بالساعات كل يوم لفترة طويلة على باب مكتب المنتجة ( آسيا)، يقول قورة أنها كانت تمر ولا تراه، إلى أن تجرأ يوما و استوقفها واضعا فى يدها ورقة بها اغنية، طالبا منها أن تقرأها و تمزقها إذا لم تعجبها، يقول قورة: حطت الورقة فى جيبها و طلعت لى عشرة صاغ وقالت لى لما نعوزك هنكلمك.

كان حظه أفضل مع مارى، ليس لأنها كلفته بكتابة اغنية لفيلم تنتجه، لكن لان الأغنية سيقدمها عبد الغنى السيد، فى الاستوديو لم يكن عبد الغنى فى أفضل حالاته، و طلب منه الملحن الشاب أن يعيد اللحن أكثر من مرة ، فانسحب عبدالغنى قائلا للملحن الجديد: أنت فاكر نفسك عامل السيمفونية الخامسة يا خى؟، اقترح الملحن على المنتجة إنقاذا للموقف أن يغنى شخص آخر موجود ضمن العازفين، قالت كوينى بعد أن تأملته: سيغنى فقط لكن لن يصور الاغنية، وقف العازف الذى اشتهر فيما بعد كمطرب ب ( العندليب) و كانت أغنيته الأولى تأليف قورة و اسمها ( اسعى يا عبد و أنا اسعى معاك)، و بدأت بعدها رحلة السعى بين قورة و عبد الحليم، وانتهت بان كان آخر إنتاج مشترك بينهما هو أيقونة من الدرجة الأولى لنجاح الشاعر الغنائى، النشيد الوطنى للنجاح فى مصر ( وحياة قلبى و أفراحه).

يقول قورة: عملت مع آسيا بعدها، كتبت لها أغانى 44 فيلما، و كانت وش السعد- ثم أضاف ضاحكا- لدرجة إنها كانت تطلبنى فى شغل أحيانا اقول لها مش فاضى.

(3)

حقق قورة الدرجة الكاملة فى ملاعب الشاعر الغنائى الناجح.

بخصوص الدرجة الثالثة ، تسأل عن الأغانى الجيدة التى نجحت بين الناس؟، سؤال صعب، لكن سأحاول أن أختار من ستة آلاف أغنية كتبها قورة عناوين مثل ( مال القمر ماله، قلبى و مفتاحه، يا حلاوتك يا جمالك، ع الحلوة و المرة، أمانة عليك يا ليل طول، إن شالله ما اعدمك، مابيسألش عليا أبدا، اسكتش ماحدش شاف عبد الوهاب؟).

فى الدرجة الثانية قدم قورة رصيدا من الجمل التى تحولت إلى أمثال شعبية على لسان المصريين، منها على سبيل المثال الساخرة (ما راح زمانك ويا زمانى .. عمر اللى راح ما هيرجع تانى)،أو العاطفية ( القلب يحب مرة ما يحبش مرتين).

و بخلاف النشيد الوطنى للنجاح فى مصر، هو كاتب النشيد الوطنى لزفة الأفراح المصرية (دقوا المزاهر)، وهو كاتب النشيد الوطنى لافتتاحية الإذاعات المصرية كل صباح (الشمس بانتمن بعيد .. شادية)، وهو كاتب النشيد الوطنى للأقصر ( الاقصر بلدنا).

(4)

اتصل به فريد الأطرش طالبا منه أن يكمل كتابة أغنية كتب فريد سطرا منها يقول (يا قلبى كفاية دق .. مادام حبيبك رق)، قال له قورة كفاية دق يعنى القلب توقف عن العمل يعنى صاحبه مات، قال له فريد: اتصرف، قال قورة : لابد من تغيير فكرة يا قلبى كفاية دق، قال له : فريد لأ، قال قورة: فليكن .. يا قلبى كفاية دق مادام حبيبك رق، عينيا قالت أيوة و أنت بتقولى لأ.

ليست صدفة أن يمتلك الشاعر حسا ساخرا، كلاهما يحتاج إلى قدر من الذكاء و الحساسية، و تقاس المهارة فيهما بالقدرة على الإختزال بما يجعل الفكرة ذات مخالب لا يمكن الفكاك منها، كان قورة ماهرا فى كليهما، و استطاع أن يبرز المهارتين معا، عندما جعل أثنين من أهم مطربى الوطن العربى يقدمان أغنيات ساخرة (يا سيدى أمرك عبد الحليم، و يا سلام على حبى و حبك فريد الأطرش).

لكن مهارة قورة كانت فنية فقط، عندما استقرت العلاقة بينه و بين المال قرر أن يصدر بمفرده مجلة ساخرة، بعد سنوات كان فيها سر نجاح هذا النوع من المجلات، فأصدر لحسابه الخاص مجلة (سكلانس)، وكان فشله فى إدارة المشروع كفيلا بان تتوقف المجلة عن الصدور بعد ثلاثة أسابيع.

وبعد سنوات كتب خلالها أغنيات معظم الأفلام المصرية ثم واجه أزمة صحية، و كانت ظروفه المادية غير مستقرة للدرجة التى تدخل معها أم كلثوم و عبد الوهاب طالبين من الدولة أن تعالج قورة على نفقتها، لكن القرار صدر متأخرا، كان قورة يفقد بصره بالتدريج، إلى أن غاب تماما ليقضى ما تبقى من سنوات عمره غير قادر على الإبصار، رحل 1977.

(5)

يقول الشاعر الهندى طاغور: لا يهمنى من الذى يحكم شعبى ما دمت أنا الذى أكتب أغانيه، كان يقصد أنه يزرع فى الوجدان بالغناء الحكمة و الرقى، لدينا فى مصر شعراء كبار قاموا بهذا الدور بقوة، ماعدا قورة، لم يقدم لوجدان المصريين الحكمة، قدم لهم ما هو أهم .. ( الونس).

………………………………………………………………مصادر: ( البرنامج الإذاعى: منتهى الطرب تقديم إبراهيم حفنى، البرنامج الإذاعى: كلاكيت أغانى السينما تقديم نعيمة حسن، مقال: فؤاد فواز – الفجر، مقال: طارق الشناوى – الدستور- أرشيف الأهرام).

المصدر .

اقرأ أيضا ..